أكثر من طبيعي استغناء المغرب عن عرض المساعدة الصادر عن النظام الجزائري إثر الزلزال المدمّر الذي تعرّض له البلد، خصوصا إقليم الحوز الجنوبي. لا يعود رفض السلطات المغربيّة المختصة للعرض الجزائري إلى تمكن المغرب، بمساعدة خليجيّة عربيّة وإسبانيّة وبريطانيّة، من التعاطي بفعالية مع المأساة الكبيرة فحسب، بل يعود ذلك أيضا إلى رغبة في قطع الطريق على أي استغلال للمأساة.
هناك استغلال جزائري للمأساة بهدف تبييض وجه نظام، لديه مشكلة مع الشعب الجزائري. يريد النظام إقناع الجزائريين بأنه لم يسئ إلى المغرب يوما وأن كلّ شيء على ما يرام بين البلدين. مثل هذا الطرح بعيد عن الحقيقة، لا لشيء سوى لأن النظام الجزائري يشن منذ العام 1975 حرب استنزاف على المغرب، عبر أداة يسلّحها ويمولها اسمها جبهة “بوليساريو”.
كان ردّ الفعل الجزائري على رفض المغرب إعطاء الضوء الأخضر لثلاث طائرات جزائرية بالهبوط في مراكش مع فرق إنقاذ ومساعدات، الحديث عن “استخلاص العبر” من هذا الموقف. حسنا، إذا كان من عبر يتوجب استخلاصها، تبقى العبرة الأولى أنّ المغرب في غنى عن مساعدة مصدرها نظام يشنّ حربا عليه. يعرف كلّ مغربي وكلّ عربي وكلّ شخص على علاقة بالسياسة، وإن من بعيد، أن المبادرة الجزائريّة تجاه المغرب موجّهة للاستهلاك الداخلي، خصوصا أنّه لا يوجد من يجهل مدى العلاقة القويّة بين الشعبين المغربي والجزائري.
لدى وقوع الزلزال المدمرّ في المغرب، كان هناك رياضيون جزائريون في الدار البيضاء. سارع هؤلاء إلى التبرع بالدم لضحايا الزلزال بشكل تلقائي. لم يفوت الجزائريون فرصة إلّا وأظهروا مدى عمق العلاقة التي تربطهم بالشعب المغربي على الرغم من إصرار النظام على إبقاء الحدود مغلقة بين البلدين منذ العام 1994.
يشمل استخلاص العبر بشكل أكيد، أسئلة عدّة: من بين هذه الأسئلة لماذا قرّر النظام الجزائري قطع العلاقات الدبلوماسية مع المغرب قبل نحو عامين؟ لا وجود لتفسير منطقي للخطوة التي أقدم عليها النظام الجزائري الذي ما لبث أن أغلق الأجواء بين البلدين لأسباب ما زالت مجهولة.
لعلّ العبرة الوحيدة التي يستطيع النظام الجزائري استخلاصها من رفض المغرب المساعدة التي قرر تقديمها لضحايا الزلزال إعادة النظر في موقفه من وحدة الأراضي المغربيّة. لم يعتد المغرب يوما على الجزائر. على العكس من ذلك، لعب المغرب دورا في دعم الشعب الجزائري في أثناء حرب الاستقلال. هل يتذكّر النظام الجزائري أن هواري بومدين ورفاقه، بمن في ذلك عبدالعزيز بوتفليقة، كانوا يعرفون بـ”جماعة وجدة” المدينة المغربيّة التي كانوا يقيمون فيها في أثناء النضال من أجل طرد المستعمر الفرنسي؟
في كلّ الأحوال، بعيدا عن الافتراءات على المغرب من نوع اتهامه بأنّه وراء الحرائق التي اندلعت في الجزائر العام الماضي، لا بدّ من التذكير بأنّ النظام الجزائري قام بكلّ ما يمكن القيام به من استفزازات بحق المغرب بمجرّد صدور تلميحات من الرباط بأنّ الملك محمّد السادس مستعد لحضور القمة العربيّة التي انعقدت في العاصمة الجزائرية في خريف 2022. لم يحضر العاهل المغربي القمّة العربيّة التي انعقدت في الجزائر بعد كلّ ما فعله النظام الجزائري، الذي اضطهد، حتّى، الصحافيين المغاربة الذين جاؤوا لتغطية القمة. كلّ ما في الأمر أن النظام الجزائري كان يخشى حضور محمّد السادس القمّة فيكون نجمها من دون منازع. في الواقع، كان يخشى ظهور الشعور الحقيقي للمواطن الجزائري تجاه العاهل المغربي وكلّ ما هو مغربي.
بغض النظر عن أن المغرب في غنى عن مساعدات النظام الجزائري وأن الزلزال فرصة كي يؤكّد المغاربة مرّة أخرى التلاحم في ما بينهم في مواجهة المأساة التي حصلت، لا وجود لاستعداد مغربي للتساهل مع نظام يشنّ حربا على المملكة. الأهمّ من ذلك كلّه، لا استعداد مغربيا لتمكين النظام الجزائري من تبرئة ذمته من كلّ ما ارتكبه في حقّ المغرب والمغاربة منذ العام 1975 وحتّى ما قبل ذلك. فالمغرب لم يقدّم سوى الخير للجزائر ولم يسلّح أي مجموعات لشن اعتداءات على الجيش الجزائري. أكثر من ذلك، تفهّم المغرب دائما أهمّية التعاون مع الجزائر وطرح منذ العام 2007 مشروع الحكم الذاتي الموسع في أقاليمه الصحراويّة. بدل أن يؤيد النظام الجزائري هذا الطرح، بل أن يكون في طليعة داعميه، لا يزال إلى اليوم مصرّا على بقاء مجموعات من الصحراويين في تندوف بغية المتاجرة بقضيّة مفتعلة من ألفها إلى يائها. هذه القضيّة هي بين المغرب والنظام الجزائري لا أكثر.
لن يبدي المغرب استعدادا للسماح للنظام الجزائري بالحصول على براءة ذمة تسمح له بتجاوز المشكلة الحقيقية القائمة بين البلدين والتي في أساسها حرب يتعرّض لها المغرب منذ استعاد صحراءه عبر مسيرة سلميّة، هي “المسيرة الخضراء” بمجرّد انسحاب المستعمر الإسباني منها. بكلام أوضح، لن يسمح المغرب، لنظام ليس معروفا لماذا يصرّ على إغلاق الحدود بين البلدين وعلى إغلاق الأجواء وعلى قطع العلاقات الدبلوماسية وعلى استخدام جبهة “بوليساريو” لتنفيذ اعتداءات عليه، بالاستثمار في الزلزال. الزلزال شأن يهمّ المغرب حيث وحدة حال بين القصر الملكي والشعب. المغرب يعرف ماذا يريد وكيف يعالج آثار الكارثة والمأساة التي حلت بمناطق معيّنة وخلفت دمارا كبيرا وضحايا كثيرين.
إضافة إلى ذلك، لا استعداد مغربيّا للتساهل مع نظام لديه مشكلة مع شعبه من جهة ويسعى إلى إحراجه من جهة أخرى. الطريق إلى قلوب المغاربة، وهذا أمر ينطبق على فرنسا والرئيس إيمانويل ماكرون أيضا، ليس عن طريق المساعدات. الطريق واضح وصريح ويتمثل في موقف شجاع من مغربيّة الصحراء ومن الطرح المغربي في شأن الحكم الذاتي، مع ما يعنيه ذلك من احترام للعقل والمنطق بدل الهرب من الواقع…
أنقر هنا لقراءة المقال من مصدره.